RSS

Category Archives: Uncategorized

كان ذلك هو المدى الذي فارقتك فيه..

صغيري العزيز،،

في الليلة السابقة لحدوث النزيف المشؤوم، كنت أتحدث إلى والدك وأستحث الأسئلة والإجابات في حديثي المتلاحق معه وكأن الوقت كان يُدركُنا: هل فكرت ماذا نسمي صغيرنا؟ ماذا تشعر؟ هل سيكون صبيًّا أم صبية؟

قلت: أشعر أنه ولد وليس ابنة، لا أعرف لماذا أشعر بذلك ولكني حين أفكر به وأتخيل حياتي معه أراه ابنا وليس ابنة..

وتابعت ثرثرتي مع والدك: إني مرتبطة كثيرا بهذا الدعاء “ربي لاتذرني فردًا وأنت خير الوارثين” وأظن أنني سأسميه “الوارث” امتنانا لكرم الله الدائم معي.. ثم حدثت نفسي: رغم كوني لا أستحق هذا الكرم في أحيان كثيرة.. بل لم أستحقه أبدا…

لم يكن والدك يبالي إن كنت صبيا أم صبية، الوارث أم شخصا آخر.. كان جُل تفكيره في صحتي وصحتك.. ينهض صباحا ليعد لي عصير البرتقال بنفسه حتى أتناوله مع أقراص الحديد؛ ويعيد هذا الروتين مساء قبل النوم، ويعد لي سلطة الفواكه حتى أتناولها خلال نهاري ف العمل، وفي كل مرة كنت أعيدها إلى الثلاجة تماما كما كان قد جهزها لي.. ومرارا يصاب والدك بالإحباط مني… ومن سلوكي الذي لا يستقيم.

يقول لي: أتمنى ألا يكون ابننا عنيدا ومزاجيا مثلك!

وأقول: بس سيكون نسخة مني في كل شيء، ستكون ملامحه الرقيقة بدوية الطراز، وستأسرك عيناه وظلال رمشه كما فعلت بك أمه، وستلمس صدقه وحلاوة مشاعره في عينيه اللامعتين الجميلتين، وستصاب بالضجر مرارًا من عناده وإصراره لتحقيق ما يريد، وسيزعجك بالتفاصيل الكثيرة التي يعبّىء بها خططه اليومية لتحقيق أحلامه، وستُدهش من حجم اجتهاده لينال مراده، وستغفر له بمحبة ولُطف حين يكرر أخطاءه واعتذاراته، وستغمره بكرمك ومحبتك دوما كما تفعل مع أمه.

هل ستكون كذلك فعلا؟ أم هذا تسجيل لأمنياتي التي أريد أن أراك بها يا صغيري؟

كنت دائما أردد مع والدك: سيكون ابني في غاية الصحة، غاية العافية، غاية الذكاء، وغاية الجمال.

يقول لي والدك: عليك أن تؤمني بالله ولا ترفعي توقعاتك كثيرا حتى لا تصابي بخيبة الأمل في حال لم يتحقق “بعض ذلك”.. وانفجر غاضبة وأقول: لأني أريد كثيرا يعطيني ربي كثيرا، يغمرني بما أريد دون أن أحتسب، وليس ذلك على الله بكثير! وأنا أتفاءل بالخير الكثير لأجده! ثم أهاجمه: ولستُ مثلك..!

كم كان والدك يفقدني صوابي بمثل هذا الحديث…

حسنًا،، في الساعة ٣ من فجر العاشر من سبتمبر من العام ٢٠١٩م فقدتك ياصغيري وعمرك يكاد يتجاوز الشهرين والنصف بأيام معدودة..

كيف جسرتُ على رفضك؟ ونبذتك من رحمي؟ وأنا التي أحطتك بكل تلك الأنسجة لأحميك وأحافظ عليك دافئا وآمنا بداخلي! لاتعلم كم يزعجني ذلك!

خلال تلك الساعات المؤلمة لم أكن لأتوقع ما مررت به، حتى صدمت بكل تلك المراحل المُعقدة التي تعانيها الأم والطفل من أجل الحياة! وأنا أسمع الصراخ المتكرر للأمهات في غرف الولادة المجاورة، كان بكائي يزداد والألم يعتصر منطقة أسفل بطني حتى ظننتي سأموت،، جعلني ذلك أفرغ كل ما في رحمي قبل الساعة ١١ من صباح ذلك اليوم.. وكان هذا المدى الذي ودعتك فيه ثم فقدت إحساسي بالألم…

لا أعلم هل كنت صابرة ومحتسبة وأنا أنظر في عيني زوجي الباكيتين، أم كنت منافقة وأنا أحاول أن ابتسم وأمزح مع إخوتي وأخواتي وهم يحيطون بي يملؤهم الحزن والقلق مما ألمّ بي… ماذا كنت أرفض خلال تلك اللحظات؟ شعوري بالضعف؟ بالحزن؟ بالفقدان الأبدي؟ بالحرمان؟ بماذا يا رحمة!

لقد فقدت شعوري الصادق في تلك اللحظة.. كنت في غاية الغياب..

لقد كانت الممرضة الفلبينية التي اعتنت بي في صالة الولادة بطواريء المستشفى السلطاني في غاية اللطف.. بعد أن تأكدت من نتائج المسح الصوتي أمسكت بيدي وقالت: أنا آسفة لم يعد هناك جنين بداخلك،، يبدو أنه سقط مع الدماء النازفة.. أجهشت بالبكاء ولم أتمكن من السيطرة على نفسي.. بكيت كثيرا .. أخبرتني أنه لم يكن يكبر منذ أسابيع، كان قد توقف عن النمو، و هاقد قرر عدم التعلق بجدار رحمي… تذكرت الطبيبة العجوز التي قالت لي الكلام نفسه في أحد المستشفيات الخاصة قبل أسابيع “الجنين حجمه صغير ولا يمكننا رصد أي نبض له الآن..” ابتلعت سؤالي ولم أتمكن أن أنطق به “هل هو على قيد الحياة..؟” وبدأت أقاوم دمع عيني حين نظرت لي وقالت: لاتقلقي هذا أمر شائع، سنتابع نبضه بعد أسبوع..”

في غمرة تلك الأفكار قاطعتني الممرضة الفلبينية: سأنادي زوجك ويمكنك التحدث إليه ..قلت في نفسي: كيف أتحدث إليه وقد فقدت صغيرنا بهذه السهولة؟! كيف أنظر في عينيه وأنا في غاية الهزيمة! ألا يجب أن أبتلع بعضا منها أولا…؟

لقد مر ذلك الصباح بسوئه.. لقد مر بعد انتزع طفلي، وترك روحي مكسورة، وترك جسدي ضعيفا وجافا.. لكن ذلك لم يمنعني أن أبتسم للممرضة الهندية التي حقنتني بإبرة اختلاف فصيلة الدم (RH)، وقالت: هذا سيجعل حملك القادم أقل خطرا، وذهبت..

هل جئت يا ولدي لتُسهل عليّ رحلتي وتشق الطريق لإخوتك من بعدك؟

لا أعلم إن كان هذا يخفف حزني أم يزيده..

ليتك تعلم أي عاطفة خلقت بداخلي وذهبت….

١١ سبتمبر ٢٠١٩م

 
التعليقات على كان ذلك هو المدى الذي فارقتك فيه.. مغلقة

Posted by في 12 سبتمبر 2019 بوصة Uncategorized

 

أيها التوفيق .. أين أنت !!!

هذه الأيام أقرأ كتابا يدعى ب “السر”، وذلك استكمالا لبحث جعلني أتابع عددا كبيرا من الفيديوهات على يوتيوب التي جاءت على سياق “السر”، بل وصل الحد بي أن أستمع خلال مشاويري القصيرة والطويلة بسيارتي إلى محاضرات وتجارب، وفتاوى علماء المسلمين فيما أصبح يسمى ب السر .. أو قانون الجذب بتعبير أصح..
أذكر أن أحد الأصدقاء أخبرني عن هذا السر قبل ٣ أعوام من الآن، ولو لم يكن هذا الصديق هو حميد البلوشي، لضربت برسائله لي على برنامج واتس اب عرض الحائط، أو ف لأقل “إلى المهملة”..

أذكر حينها أني أستعد لإجراء آخر مقابلة لي في إحدى المؤسسات، بعد سلسلة لطيفة من المقابلات، وبعد بحثٍ مظنٍ عن وظيفة، امتدّ لما يقارب الثلاثة أعوام، حسبتها طيلة فترة الإنتظار تلك وكأنها ٣٠٠ عام!
أخبرني حميد عن هذا السر، أو القانون الذي سيجعل الكون برمته، يدافع عن الوظيفة التي أقنعني أن الله أوجدها لتكون لي، وما من مخلوق على سطح الأرض أجدى بها مني! وهو الأمر الذي استفز عقلي لأن يصدق هذه الفكرة وأن تصبح حقيقة واقعة فيما بعد.. 
وكما هي عادة حميد، الذي يفضل دائما أن يقدم الأمور بطريقته الخاصة، أخبرني أن أفكر في هذا الاستحقاق -الذي يستفز صبر أعوام البطالة بداخلي- قبل النوم، وهو الوقت الأفضل لئن يجعل هذا الأمر مرتبطا بيومي كاملا فيما بعد، وبأحلامي ربما..
لا أعلم هل حميد مقتنع بهذا الأمر أم لا، لكني أُكبر فيه اهتمامه واجتهاده لإقناعي بفكرة كنت أظنها مستحيلة، في وقت طغت مشاعر البغض تجاه الحكومة، بتعبيرات وتفسيرات اتكأنا فيها على فساد موظفيها لأننا لم نكن جزءا منهم بحيث يمكننا أن نصنع التغيير الذي نريد..

كنت أبحث عن وظيفة بنفاذ صبر، وكنت أبحث عن “يقين” بنفاذٍ أكثر .. ويأسٍ مروع!

وها أنذا أعود للمرحلة ذاتها .. ولكن الأمر مختلف هنا .. 
إنني أبحث عن أمر لا يمكنني أن أفصح عنه، وإني أرتبط به حد الموت، وإن رغبتي بالحصول، والاستحواذ عليه تزداد مع ظهور كل بوادر استحالة هذا الأمر..
يبدو لي الأمر في واقعه ميؤسا منه.. وأعلم أن الله لو أراد لي أن أحصل عليه لفعل.. لكنه لم يمنحني إياه برغم صدق رغبتي في الحصول عليه ..
سأوهم نفسي بكل ما أستطيع حتى تستفيض نفسي من الأوهام وتتشبع بها، بأن ما أريده خلق ليكون لي، ووجد على هذه الأرض ليكتبه القدر لي .. وأنني عشت حتى الآن لأحصل على بغيتي التي أمني نفسي بها .. علها تعتاد عليها ف تحولها واقعي الذي أنشده .. برحمة من قانون السر وعوامل جذبه، بعد رحمة الله ولطفه ..
لا أعلم قوة يمكنني أن أتكئ عليها لأحصل على هذا المبتغى .. لا أعلم ماذا يجدر بي أن أفعل .. يااارب ساعدني .. أنت خير من يعلم أنني أحتاجك
ساعدني أرجوك !!
جامعة السلطان قابوس.. وتحديدا على مقعد سيارتي وأنيستي أمام برج الجامعة منذ وقت يسبق هروب الشمس من السماء، وساعة برج الجامعة تشارف على السادسة مساءً

أعدت تحريرها ونشرتها اليوم الأربعاء ١٨ نوفمبر ٢٠١٥ من غرفتي بالسكن المشؤوم بالخوض ٦

في ظروف لم تعد فيها أنيستي بحوزتي 
رحمة

 
التعليقات على أيها التوفيق .. أين أنت !!! مغلقة

Posted by في 18 نوفمبر 2015 بوصة Uncategorized

 

لـ يحرسك الإله بعنايته .. ويشملك بعفوه وغفرانه

صباح اليوم الأول من شهر محرم من العام الهجري ١٤٣٧.. دخلت أختي الغرفة وباغتتني بنبرة كانت تكفي لأعلم فداحة الخبر الذي تحمله: (جاسم توفى) ..

لم تكن دهشتي بالخبر أعمق من مجرد تغذيتها بعامل الوقت .. بعد إرجاعه من مستفى خولة إلى مستشفى إبراء المرجعي .. كنا جميعا ننتظر نبأ موته في أية لحظة..

وقد جاءنا صباح هذا اليوم المكلل بالغيوم، التي زخت قطراتها حين جُلب جاسم متدثرا بالابيض إلى بيت إخوته وسط نواح أخواته وقريباته، ونحيب أمه التي لم تيأس من رحمة الله رغم إخبارها بشكل واضح من أطبائه باستحالة شفاء جاسم، بعد أن التهب المخ كاملا بسبب العمليات الجراحية التي نفذت مؤخرا لاستئصال أجزاء من الورم المشؤوم ..

كان الألم والحزن ينبعث من كل أرجاء المنزل .. كان السواد يغطي كل أرجاء تلك الغرفة، التي بدت ضيقة مختنقة بحجم فسحتها المتوسطة.. ذلك السواد الذي لم يكن ليغطي بياض تلك الجثة التي افترشت الأرض أمامنا جميعا، بهيبة حضور الموت الذي لم يغفل أن يقطف عمر جاسم وهو في أوج شبابه..

استقبلنا في تلك الغرفة أبي، وهو يحاول أن يشحذ نفوس المنتحبات للصبر وذكر الله، والدعاء للفقيد.. أبي الذي كان لا يقوى على حمل نفسه من الأرض من هول الحزن واليأس الذي ألم به .. سألنا يائسا عن أمي.. بدا لي أنه بحث عنها طويلا بين النساء اللواتي لم يكن ليألين جهدا في التعبير عن حزنهن وجزعهم لهذه المصيبة .. رأيت في وجه أبي علامات الرحمة التي تبحث بجزع عن أمي ليخفف عنها ما قد يلم بها من خسارة طفلها الذي أطعمته حليبها إلىجانب طفلها الذي خرج من رحمها ..

جاسم ابن خالتي بالدم .. وأخي بالرضاعة .. وابن عائلتي بالحياة والتربية .. أب لثلاثة أطفال، وأخ لأكثر من ٢١ شابا وشابة، أشقاء وغير أشقاء ..ابن ال٣٤ ربيعاً التي لم يزهر منها أكثر من ٢٨ ربيعا أو أقل، بسبب الخلايا السرطانية التي استحوذت على دماغه بسرعة ونهم لا مثيل لهما.. 

لم لأكن لأحافظ على رباطة جأشي، وأتظاهر بالصبر وسط ذلك النحيب، حين جاء أكبر أطفال الفقيد، فيصل الذي لا يزيد عمره عن ١٠ أعوام، طالبا تقبيل والده للمرة الأخيرة وسط تلك الزحمة الخانقة التي يصعب فيها الوصول إلى الجثة الهامدة أمامنا ..

رأيت عيون فيصل وهي تشبع فضولها برؤية والده وهو في هيئة الموت التي جعلت منه ساكنا بكل هذه القسمات، التي تصعب على طفل في عمره تفسيرها .. لماذا قد يرحل عنهم ؟!

ماذا ترك جاسم على عاتق فيصل برحيله هذا ؟ أجزم أن هذا الطفل سيتألم طويلا وهو يذكر هذه اللحظة التي تخلت فيها الحياة عن والده وهو بأمس الحاجة إليه..

طوال فترة مرض جاسم، وبسبب ضعف بصره والإغماءات التي تنتابه بين فترة وأخرى، كان فيصل الذراع اليمنى التي يأخذ بها والده لأداء الصلاة في المسجد جماعة دون تذمر.. وكان المتف التي تسقط عليها جثة الأب حين يستفحل الورم ويستحوذ على أجزاء جديدة من دماغه .. كان فيصل الحاسة الجديدة التي يحصل عليها جاسم حين يعجز جسمه عن تأديه وظائفه تدريجيا..

حتى اللحظات الأخيرة التي تسنى لنا مشاهدة وجه أخينا وتقبيله، رأيت فيه ذلك الوجه المشرق، المتشرب بالصُفرة الهادئة، ولا أعلم أهذا هو لون الموت حقا، أن أنه بفعل المرض الذي غيّب جاسم عن أسرته وأطفاله ما يزيد عن ال٣ أشهر في غرف العناية الفائقة دون رفيق..

غادرت مجلس العزاء فور مغادرة جثة أخينا العزيز جاسم إلى المقبرة .. لا متسع في قلبي لمزيد من المجاملات وخاصة إن كانت متعلقة بعواطف الحزن والجزع والفقد الذي لن يشعر به من جاء لمجاملتك إلا إن تذكر غاليا قد فقده في ظرف مماثل ..

إنها الليلة الأولى التي سيقضيها الحبيب جاسم تحت التراب ..في اللحد .. في ظلمة لا يعلمها إلا الله ..

اللهم أرحه في قبره .. واشمله بعفوك ورحمتك وغفرانك .. إنه لايعلم بعميق مآسينا سواك

كيف لهذه الليلة أن تهدأ، ونحيب خالتي يسكن أذني وهي تبكي فقد ابنها البكريا مظنوني .. يا مظنوني …”

الخميس ١٥ أكتوبر ٢٠١٥

في بيتناالواصل

على إحدى درجات المنزل مقابل السماء

 
التعليقات على لـ يحرسك الإله بعنايته .. ويشملك بعفوه وغفرانه مغلقة

Posted by في 15 أكتوبر 2015 بوصة Uncategorized

 

لنعش كما أراد لنا الله .. أن نكون “نحن”!

خلال تجوالي بالسوق الحرة بمطار دبي، لفتتني كتب كثيرة كانت معروضة باللغة الإنجليزية – التي لم لا أتقنها كثيرا- .. قاومت رغبتي بالقراءة مخاوف فهم المحتوى الموفر باللغة الإنجليزية، ووجدتني أدفع 135 درهما مقابل كتابين اثنين، أولهما مقالات مجلة أوبرا عن السعادة الحقيقية (O’s little book of Happiness)، والآخر عن قصة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون (Hard Choices).

كنت أقرأ عبارة تصدرت أول الكتابين للمذيعة الشهيرة أوبرا وينفري:

You can never be happy living someone else’s dream. Live your own and will for sure know the meaning of happiness”

وحين خرجت؛ وجدتني أتساءل وأنا أنظر إلى الناس المتزاحمين على مقاعد المقاهي والاستراحات، وعلى ممرات المطار وسلالمه، والممدين على أرضيات قاعات انتظار الرحلات.. وجدتني أنظر إليهم، أرى التذمر والملل، ووجدتني أتساءل؛كم ياترى من هولاء بات راضيا عن حياته، عما قدمه.. كم منهم يعيش شخصيته الحقيقية، وكم منهم يدعي ويتقمص صفات شخصية أحبها، أو قلد مزايا شيء كان يود أن يكونه ..

وراجعت في نفسي ماذا كنته قبل عام من الآن، حين كنت أعمل لحساب الجميع، وكنت أعطي وقتي بسخاء للجميع، وحين كنت أهرب من نفسي وأتركها بعيدة عن الجميع، وحتى عني أيضا .. لقد علمت قبل عام من الآن أن شخصيتي السابقة ما كانت لي أبدا، إنما صنعتها بنفسي وفصلت مزاياها على المقاس الذي أحب، حاولت أن استمتع بها وقتا من الزمن، لكنها لم تكن لتستمر حتى لو تجاهلتُ هذا فترة من الوقت..

وقد علمت السبب ..

كان مستوى تأثري بمن حولي كبيرا .. كنت أود أن أصنع ثقافة مثلهم، أن أكون بمستوى اطلاعهم ووعيهم ومتابعتهم للأمور، للمجريات التي التي تحدث على الصعيدين المحلي والدولي، كنت أشعر بالنقص، ولم أكن لأشعر أني كنت أتأثر بهم، أو أميل لتوجهاتهم حين كنت ألغي نفسي وأصبح نسخة مشابهة لأصدقائي..

كان عليّ أن أبتعد عنهم، أن أعيش بمفردي لفترة، حتى أوقن بداخلي ماذا أريد أن أكون، دون أن أقع تحت تأثير إعجاب أو كره أو محبة أو تقليد لصفات وأفكار واتجاهات من هم حولي، ومن كنت طيلة الوقت مندمجة معهم، وأعمل طيلة الوقت لأجلهم..

لقد تبين لي من أنا حقا، حين أصبحت مستقلة بعض الشيء عمن حولي، بمن فيهم أهلي وأحب الناس إلي، وجدتني أكثر قوة حين علمت أن لي شخصية رائعة، وحين اكتشفت السطوة التي أعيش بها مع نفسي، لقد علمت يقينا أنني فقدت سنينا طويلة كان ينبغي علي أن أعيشها بما متعني به الله من صفات واستقلال.

لكني في الآن نفسه؛ وجدت من الرائع التعرف على ثقافات وتوجهات وشخصيات من هم حولي، ممن أحبهم، وممن تصيبني سلوكياتهم بالغضب والامتعاض حينا .

لقد آن الأوان كي أعيش أنا كما أراد لي الله أن أكون .. نعم .. كم كان بداخلي أسرار كنت بعيدة عنها ..!

أحببت شخصيتي القوية، قدرتي الهائلة على الصبر، والاستماع بعناية لمن هم حولي، إدراكي للأشياء، غرابة أطواري، بساطتي في اتخاذ قراراتي، ارتجالي الشجاع حين أواجه موقفا لمن أكن لأتوقعه.. بلادتي الصامتة، وبساطتي التي أبدو عليها حين تصدر مني مواقف محرجة لم أفتأ أكررها مدعية عبرها بالذكاء والنجابة..

في جلساتي الخاصة مع نفسي .. كنت أخبرني عما أصادفه في حياتي من مواقف.. وجدتني أخصص وقتا كافيا أصف فيه الشخصيات من حولي، أصفها وأعيد رسمها لنفسي، تماما كما أراها أنا، وكما اكتشفتها أنا ..

وجدت أن لدي قدرة هائلة على وصف الأشخاص والأشياء، وجدت أن لدي طاقة هائلة للتعبير؛ وعلمت أن التكلم بها شفهيا ليس مما أجيده أو قد أنجح به .. ولذا وجدتني أكتب ..

مطار دبي الدولي

الجمعة 18 سبتمبر2015
الساعة 11 صباحا بانتظار رحلة العودة إلى مسقط

 
التعليقات على لنعش كما أراد لنا الله .. أن نكون “نحن”! مغلقة

Posted by في 18 سبتمبر 2015 بوصة Uncategorized

 

الأوسمة:

سياسي : السلطنة مرشحة لوساطات سياسية أكبر بين الأطراف المتنازعة

11111

أكدت الدكتورة فاطمة الصمادي وهي باحثة وأستاذة جامعية أردنية مختصة بالشأن الإيراني، وتعمل حاليا في مركز الجزيرة للدراسات والأبحاث، بأنه لم يكن هناك خيار أفضل من سلطنة عمان لتعلب دور الوساطة بين الأطراف المتنازعة على ملف إيران النووي، فكل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية رغبت أن تشتغل السلطنة على ترتيب إجراءات الوساطة للتفاوض في ملف حساس كهذا؛ دام الخلاف عليه عقودا من الزمن.

وقالت في حوار خاص لـ ” البلد ” :”يبدو أن عمان قرأت التغيرات الجغرافية السياسية بشكل ذكي، وقرأت أن هناك تحولا في التوجه نحو إيران وأدركت أن دورا مستقبليا سيركز على إيران، ومن ثم اختارت أن تكون في الجانب الرابح”.

وتؤكد الباحثة أن السلطنة أصبحت مرشحة للعب وساطات أكبر؛ وأن المحادثات السرية الإيرانية الإماراتية الأمريكية ربما تتجه لطلب الوساطة العمانية، والوساطة مع الأطراف الداخلية في اليمن، ووساطة تربط أوروبا مع إيران لفتح طريق عبرها إلى الهند بدلا من قناة السويس؛ الأمر الذي جعل من عمان تستمر في تحقق إنجازات تلو الأخرى على صعيد ملفها الأمني، فقد استطاعت بسياستها أن تحظى بعلاقات جيدة مع أكبر دولة إقليمية في المنطقة وهي إيران، ومع دول تمثل القوى العظمى في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا أيضا.

في الحوار أدناه ننشر حديثنا مع د.فاطمة الصمادي حول أسباب اختيار السلطنة وسيطا للمفاوضات حول الملف الإيراني التي امتدت لسبعة أشهر أخرى عقب اجتماع فيينا الأسبوع الفائت، كما نستعرض في الحديث رؤية السلطنة الاقتصادية والأمنية من دخولها وسيطا في ملفات شائكة كالملف الإيراني واليمني، وتأثير صوتها على القوى الخليجية التي طالما أحبت ان تتمسك بزمام القرارات الخارجية.

عمان الأنسب بإجماع كل من أمريكا وإيران

تقول د.فاطمة الصمادي أن الجميع بات متيقنا اليوم من أن هناك تطورا في العلاقات الإيرانية الأمريكية عقب المفاوضات الجارية حتى وإن لم يتم التوصل لاتفاق خلال الفترة المحددة، كما أصبحنا متأكدين أن مسألة الحل العسكري للملف النووي الإيراني تراجعت إن لم تكن انتهت.

وتضيف: “أن السلطنة كانت دائما مرشحة أكثر من غيرها للعب دور الوسيط في المحادثات بشأن الملف النووي الإيراني، كما أنها هي الدولة الوحيدة التي رغبت أن تكون وسيطا مع إيران. ولذلك حذرت عمان قبل أن تستضيف المحادثات السرية والوساطة من أي مواجهة مع إيران؛ لأنه في رأيها سيقود منطقة الخليج إلى مواجهات هي في غنى عنها”

وتضيف الباحثة في الشؤون الإيرانية أن السياسية العمانية مقتنعة أن المنطقة كلها تتبع نظرية الأواني المستطرقة، الأمر الذي يعني أن أي مواجهة مع إيران لن تقف عند حدود إيران، بالمثل فإن أي مواجهة مع السلطنة ستنسحب على الخليج عموما، ومن ثم أن يزيد حجم الضرر ويتسع على نطاق أكبر، ولذلك كانت عمان تدافع عن فكرة الحل الدبلوماسي مع إيران. يبدو أنها قرأت التغيرات الجغرافية السياسية بشكل ذكي وقرأت أن هناك تحولا في التوجه نحو إيران، وأدركت أن دورا مستقبليا سيركز على إيران، ومن ثم اختارت أن تكون في الجانب الرابح؟

تشير إلى أن هناك مسألة أخرى وهي مستوى العلاقات بين إيران وعمان التي أخذت مستوىَ أعلى مقارنة بشقيقاتها من دول الخليج الأخرى، وذلك من حيث الاتفاقيات التجارية والعسكرية بين الطرفين العماني والإيراني؛ ولهذا كان هناك نية صادقة للوصول بالعلاقة إلى مستوى جيد جدا، كما أنه بدا واضحا أن الطرف الأمريكي وجد أن العمانيين قادرين على أن يلعبوا دور هذه الوساطة، ووجدوا في العلاقات بين البلدين ما يؤهل القيام بها، ومن ثم البدء بتنفيذ اللازم لإنجاحها، بالإضافة إلى العلاقات التاريخية بين إيران وعمان، التي ابتدأت منذ زمن الشاه علاقات قوية وتنسيق عسكري ومبادلات تجارية، واستكملت لاحقا مع الجمهورية الإسلامية بعد ثورة 1979.

إيران لاتريد التعامل مع الخليج ككتلة واحدة

ترى الباحثة فاطمة الصمادي أن الطرف الإيراني لا ينظر للمسألة بنفس التوجه العماني السياسي، فإيران معنية جدا “بإحداث شرخ داخل منطقة الخليج، وهي لا تريد رأيا موحدا بين دول الخليج تجاه إيران؛ لأن الجانب الإيراني يعتقد أن الرأي الخليجي الموحد يحمل وجهة النظر السعودية أو الإماراتية؛ ولذلك هو بحاجة لعمل نوع من التحالفات الثنائية بحيث يفقد الطرف السعودي قدرته على التأثير على قرار الأخرين. فهناك مستوى علاقة جيد مع دولة قطر، وأيضا مع دولة الإمارات خاصة وأن هناك محادثات سرية جارية بشأن الجزر المتنازع عليها بين الطرفين”.

وتضيف إن العلاقة بين سلطنة عمان وإيران مرت بصعود وهبوط، “لكنها لم تصل أبدا إلى الدرجة التي تدعو فيها عمان إلى المواجهة على غرار بعض الدول الخليجية”، فليس هناك توتر مثل الذي بين السعودية وإيران، “ولا يمكن أن يكون”؛ فالسعودية تقدم نفسها على أنها زعيمة العالم السني، وإيران تقدم نفسها على أنها زعيمة العالم الشيعي ومن ثم فإن هذا الصراع السياسي أخذ أبعادا وعناوين طائفية ودينية، الأمر الذي أدى لتداعي العلاقات رغم التسويات المطروحة، والإدراك للمخاطر المشتركة، وبقيت العلاقات يشوبها الكثير من المشاكل.

واستطردت د.فاطمة: “من هنا نستنتج أن إيران تريد كل دولة خليجية على حدة، فهي لا تريد أن تتعامل معها بوصفها كتلة واحدة، كما تريد أن تقول لدول الخليج أنه إذا حدث تغيير في التوجه نحو إيران مثلما فعلت سلطنة عمان فـ ستحصلون على مكاسب كتلك التي تحصل عليها السلطنة حاليا”.

مكاسب العلاقات الطيبة مع إيران

تقول الباحثة في الشؤون الإيرانية بأن الجميع لاحظ في الاجتماع الذي جرى مؤخرا وجمع كافة الأطراف المختلفة حول ملف إيران النووي في العاصمة العمانية مسقط، لاحظنا رمزية تشير إلى أن هناك نوعا من التكريم لسلطنة عمان كونها رعت المحادثات السرية. وهذه المكاسب تتمثل على المستوى الاقتصادي والدور السياسي، فالسلطنة نجحت في تقريب بلدين بينهم قطيعة سياسية لأكثر 34 سنة في الوقت الذي فشلت فيه محاولات كثيرة من الطرفين.

وتعتبر أن هذه القطيعة لها أبعاد أيديوجية وسياسية؛ فإيران دولة ترفع شعار الموت لأمريكا، فأن تُحدث السلطنة خلخلة في هذا العداء لدرجة أن يمشي التقارب الإيراني الأمريكي بشكل متسارع فهذا يعطي مكانة سياسية ودورا أكبر لسلطنة عمان في الخليج، وينزع التفرد من الطرف السعودي، وهذا دور لم تقم به عمان في السابق.

وترى أنه إذا حدث الانفراج بين إيران والعالم –مهما امتدت مهلته- فهذا يعني نهاية العقوبات، ومن ثم ستنطلق كثير من المشاريع الاقتصادية سواء المتعلقة بالنفط أو غيره. فإيران لديها مشروع للربط بين أوروبا والهند لتعمل عليه بعد وقف العقوبات، وستكون السلطنة شريكا في هذا المشروع بالاستغناء عن قناة السويس، وهذه مسألة في غاية الأهمية.

على المستوى الأمني، السلطنة حققت إنجازات كبيرة على هذا الصعيد، فهي دولة استطاعت بسياستها أن تحضى بعلاقات جيدة مع أكبر دولة إقليمية في المنطقة وهي إيران، ومع دولة من تمثل القوى العظمى في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

الوساطة العمانية تمتد لتقرب أطرافا أخرى

تقول الصمادية إن نجاح السلطنة في الوساطة مع أمريكا وإيران أعطاها ثقلا أكبر ووسع حجم الثقة في السياسة العمانية؛ ومن ثم فعمان مرشحة للعب وساطات أكبر، فالمحادثات السرية الإيرانية الإماراتية الأمريكية يمكن أن تتم بوساطة عمانية أيضا. كما ستعزز السلطنة من مكانتها الإقليمية إذا ما حققت نتائجا طيبة في وساطتها الجارية بين الأطراف المتنازعة في اليمن، فهذه الوساطة بالتحديد ستكون صعبة للغاية لكونها بين أطراف متعددة في بلد تتصارع فيه قوى داخلية مختلفة.

وتختم حديثها عن الدور العماني بقولها إن الوساطة التي تلعبها عمان ليست تدخلا في شؤون الغير كمايمكن أن يفهم البعض، بل هو لعب سياسي ذكي. تقول: “صحيح أن الوساطة بين أمريكا وإيران كان لها تأثير على وحدة الصف الخليجي؛ لكن عمان تلعب بمصلحتها وهي ترى أن هناك مصالح في لعب هذا الدور. كما أن السلطنة في السنوات الأخيرة بدأت ترى عدم جدوى السياسة السعودية في المنطقة، وهذا مؤشر آخر أن عمان لا تريد أن تكون تابعة للموقف السعودي من باب أن هذا الدورالذي ثبت فشله، وأن جدواه ليست في الحسبان.

حوار : رحمة الجديلي – صالح صحيفة البلد

 
التعليقات على سياسي : السلطنة مرشحة لوساطات سياسية أكبر بين الأطراف المتنازعة مغلقة

Posted by في 23 ديسمبر 2014 بوصة Uncategorized

 

الأوسمة: , , ,

إِثم الكتـابة .. أم إثم الظنون ..؟

 

ليس لي العُمر .. وليست لي التجربة التhhhي تجعلني أمتهن توزيع النصائح والإرشادات لعملية الكتابة لممتطي صهوات الأقلام، أو لوحات المفاتيح .. “الكيبوردات” إن صح الجمع في العالم الافتراضي -الذي يصح فيه كل صواب وخطأ على نحو متساوٍ..

كما ليست لي الخلفيات الأدبية الكافية برغم تخصصي الجامعيّ في اللغة والأدب.. اللذيْن خرجت عنهما في مسارات أعمالي؛ حتى أضع نفسي مُحكّمة لكتابات الناشطين، أو مُستشعري المسؤولية الذين تدفعهم عواطفهم النبيلة للكتابة.. الذين أُكنّ لهم عظيم المحبة والتقدير لضمائرهم التي ما استطاعت أن تَمُت ..

ليس لي من نفسي سوى ذائقة لم يُخدرها مُرّ العلقم الذي تتجرعه بشكل يومي؛ من دهشة المزيج الذي صنعته لنا الشبكات الاجتماعية اليوم..

لست هنا بصدد الانتقاد.. ولست بصدد تحليل الفسيفساء التي أثرت منصات الإنترنت.. باختلاف توصيفنا لهذا “الثراء” الذي تتفاوت فيه نسبة الحقيقة والتزييف .. وباختلاف اعترافنا لكونه ثراءً؛ أم استخفافا لعقول القراء، وشغفًا في “فلاشات” مواقعنا الاجتماعية التي تعزز تكريمها لهذا الظهور بتكدس “الفولورز” غير النوعيين .. وغير الفعالين …..

كما أن هذه المادة التي لا تزيد عن كونها رأيًا شخصيا يُغذيه الحرص على المتابعة والاطلاع .. ليست محاولة لاستمالة أصحاب الأقلام الجافة، وليست تجريمًا لهواة الكتابة الذين يستجلبون عواطفهم، ويستدرّونها لطبخ كلمات لا يمكن أن تنضج في عقل القارئ وإن اختمرت في ذهنه لوقت طويل في أحسن الأحوال ..

أما وقد أسهبت في نفي ما لا تحتمله نفسي من إثمٍ قد تتورط به ظنون القارئ.. فإنني أدعوه لـ “أما بعد…” ..

لا أعلم أهي سرعة التنقل بين حروف لوحات المفاتيح التي زادت من “عَنجهيّة” بعض المستخدمين؛ لتصنع منهم نموذجًا في المجال الذي يحلمون أن يكونوه .. أم إنه إثم الشبكات الاجتماعية الذي جرّته مع حسناتها لتُوجد لنا جنسا دخيلا على المنطق .. دخيلا على الكتابة .. دخيلا على عملية الفهم .. صعبا لا يمكن التعامل معه من قبل أكثر الناس صبرا واحتمالا في أحسن الأحوال ..

أم أعزو ذلك لثقافة “العامة” .. التي وفرت تُربة خِصبة تنمو فيها هذه الطحالب الزاحفة وأثرت على النوع بالكمّ. وأدارت الاهتمام بثقل الأمور إلى سطحياتها؛ وما يشاكله من جوانب مُحبِطة تصنع لها من “الثراء” معانٍ وتوصيفات جديدة أشبه بالفراغ ..

لي من الوقت مما أستطيع أن أقول بـأنه “غير اليسير” .. وأنا أتصفح مقالات وكتابات .. عبر صفحات الويب، وعبر صفحات الجرائد .. وعبر “بروفايلات” الأصدقاء.. لم أتمكن معها من احتمال هذا الذوق الذي وصفه أحد الزملاء بـ “البلطجي” .. وأجده حاضرا جدا حين تدهشني الكوارث التي يصنعها هذا “الذوق” غير الواعي …

استفزني أحد الإخوة هذا المساء وهو يستجدي إعجابي بكتابة له أطلق عليها اسم “مقال” وهو لا يعلم من تكوين المقال شيئا -بعد استماعي له لما يقارب الساعة- .. يطَعّم كتابته تلك بكثير من الأرقام والنّسب الجاهزة.. ويذيلها بتعقيب بسيط وسطحي وغير متناسب مع تلك الأرقام، ليسخر منها من القارئ قليل الاطلاع، وسطحيّ المعرفة؛ ليصنع منه الأخير –جاهلا- مجدا لا يضاهى. ولتكون كتابته الأفضل التي لم يسبق لأحدٍ أن يأتي بمثلها “في عمان طيلة السنوات العشرين الماضية” بحسب هُرائه للأسف ..

أذكر أيضا مقالا لكاتب آخر تخصص له إحدى صحفنا المحلية عمودا ثابتا، تمادت به نفسه العظيمة، ليسخر من مفكر استطاع أن يصل لمرحلة من الإيمان بالذات الإلهية بعقله؛ بتفكره .. أقصاه صاحبنا في سطوره القصيرة ورجى ربه ألا تتورط ابنته مستقبلا بقراءة كتابٍ لمفكر كالذي جَلَدهُ في سطوره تلك ..

يؤكد لي أحد الإخوة ممن قرروا أن يُحسنوا إلى جمهور القراء، أن تطعيم المقال بالمعلومات، سواء حوى رأيًا أم لا، يشكل القوام الأساسي للمقال .. يقول: “بربك! ألا تشمين رائحة العرق تنضح من المقال!” في إشارة كريمة منه لعظيم المحتوى الذي تكلّف جمعهُ ليستغل غباء إعلام علاقاتنا العامة، ويروي حُنقه بمvقال ملغوم لم تصدق إحدى صحفنا أن تلقفته وطعمته بأوصاف تبرأ منها الكاتب نفسه ..

ماذا أقول ..؟ وأعداد ليست باليسيرة من القراء العمانيين آمنوا وصدقوا بصحافة “الأشباح” التي لم يأتِ على ذكرها أي مشتغل بعالم الصحافة قبلًا .. بماذا أبرر وقد تقبل القارئ عدم احترامه من قبل هولاء الكُتّاب، ومن قبل الصحافة الشبيهة.. وتقبل تهميشه والاستخفاف به بصحافة لا تستند على مصادر واضحة …

أي كارثة عليّ توصيفها مع معطيات شبيهة؟

 
تعليق واحد

Posted by في 15 أكتوبر 2014 بوصة Uncategorized

 

الأوسمة:

من يخيط حذاء “زَهـرة”؟

316942_286295258069946_1267531578_n

وضعت على الطاولة الممتدة أمامها رزمة من الأوراق، باهتةً ألوانها من كثرة تكرار نسخها، مَثنيّةً زواياها على بعضها وكأن الزمن الذي مرّ عليها أثقلها، واشتدت بها السنون لتنطوي كما تنطوي ورقة شجر أرهقها الجفاف. وعلى صدر تلك الأوراق المُنهكة، وضعت سيرتها الذاتية حيث طبعت تحت اسمها وبياناتها الشخصية كلمات “باحثة عن عمل”.

كانت تلك الطاولة العريضة والممتدة لقرابة ثلاثة أمتار ونصف تأخذ مساحة من تلك الغرفة الفارهة التي دخلتها زهرة على هؤلاء الرجال الذين يتصنعون الهيبة. في الجانب الآخر من الغرفة كان ينبسط مكتب بسطح لامع شديد النظافة. بعضٌ من أوراق مركونة في سلة من معدن برّاق يشبه الفضّة. خلفها ترتفع قامة كرسيّ المكتب بغطاءِ من جلد أسود. وتحته وسائد قطنية سوداء منقوشة بـ زري ذهبي برّاق..

استطاعت أن تجلب على ذلك المقعد الجلدي الفاخر الذي أجلسوها عليه بعباءتها المنسدلة  وجسدها الناحل، أكثر الحوادث عمقًا وتأثيرًا، من تلك التي نقشت في جوفها أثرًا أليما خلال الأعوام الخمسة الأخيرة التي ضاعت من عمرها بحسرةٍ وعزاءٍ عظيميْن، وهي تضع على الطاولة الممتدة أمامها رزمة من الأوراق، باهتةً ألوانها من كثرة تكرار نسخها، مَثنيّةً زواياها على بعضها وكأن الزمن الذي مرّ عليها أثقلها، واشتدت بها السنون لتنطوي كما تنطوي ورقة شجر أرهقها الجفاف. وعلى صدر تلك الأوراق المُرهقة وضعت سيرتها الذاتية حيث طبعت تحت اسمها وبياناتها الشخصية كلمات “باحثة عن عمل”.

لم تكن تفكر في خذلان والدتها الصبورة التي أثقلتها منذ ولوج الفجر الأول بدعواتها لها بالفرج، وختام خيباتها المستمرة باليوم الموعود الذي امتد انتظاره أكثر مما يمكن أن يحتمل.. كانت تفكر إلى جانب ذلك في خذلان هذا العمر الذي بدأت مبكرا في توظيبه…

كانت تشعر برعب لا مثيل له. هل يمكن أن تكون السنوات القادمة من عمرها في هذا المكان؟ هل ستكون مقنعة لهولاء الرجال الثمانية الذي يجلسون بهيبة قبالتها على تلك الطاولة الخشبية اللامعة والموشاة بنقوشٍ وخطوط كالذهب؟ ماذا عن هيئتها؟ ترتيبها وهندامها؟ هل يفترض أن تكون جذابة حتى تحظى بتلك الفرصة؟ ثم لماذا؟ ألا ينبغي أن يرضوْا بفكرها؟ بحيويتها؟ بحبها للعمل؟ قدرتها على الإبداع؟ ابتكار مشاريع جديدة يستطيعون أن يخدموا بها المواطن بطريقةٍ أفضل؟؟ …

بدأ الرجل على الجانب الأيمن لتلك الطاولة بالحديث، بوجهه العريض وبملامحه الناعمة التي تتصنع الجديّة. رطن بجملة إنجليزية يفيدها أن المقابلة ستكون باللغة الإنجليزية. كانت هي تشبك أصابعها ببعضها بقوة تحت الطاولة. لم تكن تريد أن تخسر هذه الفرصة الوظيفية بسبب عدم تمكنها من اللغة الإنجليزية بالمستوى المطلوب.. فكرت .. كيف يمكن أن تُولِج نفسها في هذا القالب الذي يريدونها أن تكون بقياساته؟

هل هؤلاء الرجال الذين تركوا أعمالهم وحضروا مقابلتها سيقدّرون رغبتها إن هي أبدتها في الحديث بالعربية؟ ثم لماذا يطلب منها الدخول في مقابلة بلغةٍ ليست هي الرسمية في البلاد؟ خاصة وأنها مؤسسة حكومية وينبغي أن تكون أكثر من يبرز هوية هذا الوطن؟ “نعم .. هذا ما يجب أن يحدث” … ألا يجدر بهم أن يكونوا أكثر المسؤولين محافظة على اللغة العربية الفصحى بدلا من استبدالها بلغة أعدائنا وسالبي ثروات بلادنا؟ فكرت بذلك لأن مستوى مهاراتها في التحدث والاستماع بتلك اللغة كان يرعبها. كان الخوف يأكل قلبها من أن تخسر تلك الفرصة اليتيمة التي حظيت بها خلال كل هذه السنوات بسبب لغة من كانت تسميهم “أعداءنا”. كان مستوى لغتها الإنجليزية يثير غضبها وسخريتها ..

نظرت إليهم والريبة والقلق يعجنان روحها، والرغبة في التعبير عن اختلافها معهم تزيدها إرباكًا..  ووجدت نفسها تسألهم باللغة نفسها التي اختاروها :
–     “Is anybody here can’t understand Arabic?” ..

كان سؤالها  جريئا وحادًّا .. شاهدتهم وهم يتبادلون نظرات باردة لبعضهم، وكأنهم يشعرون بشيء يشبه إهانة مباغتة. استدرك سؤالها اثنان من أولئك الرجال الذين صُفّوا كالأصنام على تلك الطاولة الفارهة، وهمهموا بصوت خفيض “لا”.. “لا” ..!
وجدتها هي فرصة فاستكملت مباغتتها لهم : “إذن لا داعي لتجاهل لغة لا يوجد بيننا من لا يفهمنا”..

لوهلة .. شعرت بأن أولى سهامها أصابت مرماها باحترافية وإتقان واضحيْن. قالت في نفسها “نعم هكذا يجب أن تكون المقابلات الوظيفية”. كساحة حرب.. أشد ما تكون فيها الهجمات حذرةً ومدروسة. وإلا فإنها قد تدفع ثمن خسارتها غاليا.
–    … وهل هناك خسارة أكثر من تلك الأعوام الخمسة التي بقيت فيها بلا عمل! من يعوضني إياها؟؟ كم هو الوقت الذي أضعتموه من عمري في مكاتب كهذه؟ بين مقابلات واختبارات ومغازلات ! لا شك أن بين هؤلاء الرجال حليقي اللحى، فاسدٌ  ينظر إليها كأنثى محتاجة لهذا الشاغر الوظيفي، وينبغي استغلالها. تبًا لكم!

زادها هذا الحديث الداخلي قوة وتصميما. استكثرت عليهم تلك الإرتباكة التي أزعجتها مذ هاتفتها سكرتيرة المكتب لتحديد المقابلة. تألّقت عيناها بنظرة واثقة، وانطلقت تتحدث : “اسمي زهرة سعيد .. حاصلة على بكالوريوس صحافة وإعلام من جامعة السلطان قابوس بتقدير امتياز، عملت في عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة بعقود مؤقتة…… وأحيانا بدون عقود .. معظم عملي كان تطوعيا إلا من شهادات تقدير هاهي أمامي ويمكنكم الإطلاع عليها …

قبل أن تنهي جملتها، نطق أحد الأصنام المرصوفة على الطاولة بجملة رتيبة كتلك الآلة التي تخرج لك فجأة بعد صمت طويل علبة مشروب غازي “مخضوض” .. قال سائلا: “لماذا تودين الإلتحاق بمؤسستنا بالذات” ؟

كان ذلك أسخف الأسئلة التي واجهتها في المقابلات التي أجرتها على الإطلاق. ماذا عساها أن تكون الإجابة التي ينتظرها هذا العجوز التعيس؟ ماهي الإجابة التي ترضي غرورك؟ قاومت رغبتها في الصراخ عليه بسؤال تجيبه به على سؤاله: “لماذا برأيك؟؟ ها ؟ هل لأن الفرص متاحة ومتنوعة وعليّ أن أختار منها؟؟ أم أن هذه المؤسسة ملك أبيك؟؟ هل هذا سؤال توجهه إلى باحثة ظلت على الوضع ذاته خمسة أعوام!” ..

بعد نحو ساعة ونصف من الأسئلة الجوفاء، والحديث بين مدراء الشركة ورئيسها، وزهرة المسكينة.. خرجت تجر خلفها الخيبة ذاتها التي اعتادت أن ترافقها بعد كل مقابلة وظيفية خلال السنوات الخمس الماضبة.. وبيدها رزمة الأوراق التي دخلت بها دون أن تنقص واحدة منها .. ابتسمت لها السكرتيرة حين خروجها، لكنها لشدة الكىبة التي خرجت بها، لم تستطع المجاملة بمط شفتيها ولو بطريقة باردة. أسقطت نظرتها لأمام حذائها البني الذي أعيدت خياطته غير مرة، بدت لها خيوطه منهكة.. تساءلت هل سيصمد هذا الحذاء حتى حصولها على فرصة لمقابلة أخرى قادمة .. بعد اعم أو عامين؟ فكرت بذلك وهي تقبل رأس والدتها التي تنتظرها في الخارج بأمل مكسور.. وأكملت طريقها خارجة من ذلك المبنى النتن.

كانت ذلك نهار الثالث والعشرين من سبتمبر،  حيث يستعد زملاؤها ممن استطاعوا أن يلتحقوا بوظيفة، للراتب الشهري والزيادة السنوية التي ترافقها، منهم من أصبح والدًا ووالدة.. ومنهم من ينتظر..

 
التعليقات على من يخيط حذاء “زَهـرة”؟ مغلقة

Posted by في 28 ماي 2014 بوصة Uncategorized

 

الأوسمة: , , ,

صورة

من صفحات قديمة .. “غيمة فضية”

من صفحات قديمة .. “غيمة فضية”

..  وكانت فترة الامتحانات النهائية والكآبة تملأ الأجواء .. وصباح تخجل فيه الشمس من الظهور .. في أجواء خريفية هادئة والسكون يملأ باحة المدرسة إلا من بضع طالبات يجلسن القرفصاء على جوانب جدران الفصول  في أحد الأيام الغائمة .. أمسكت بكتابي وتجولت في ساحة الطابور شبه الفارغة قبيل الامتحان بدقائق .. كنت طفلة بالحادية عشر من عمري .. بذات عادتي التي أمارسها وأنا أستذكر  الدروس .. ربما إيمانا مني بأن أية معلومة لا تعلق بجدار الذاكرة إلا إن لهج بها لساني بصوت عالٍ نسبيا بينما قدماي لا تكف عن الحركة .. إنها العادة نفسها التي ما زلت أستخدمها حين أفكر عميقا بأمر ما وأجدني أذرع الغرفة جيئة وذهابا ..

حين تأكدت من أداء استذكاري الجيد للمادة واطمأنت نفسي لذلك .. وضعت كتابي على  صدري ورفعت رأسي للسماء.. لا أدري أكان استجداءً لعون الله لروحي التي ترقص قلقا من هول اللحظات السريعة قبيل بدء الامتحان أم بحثا عن فرصة أو متنفس أستمتع فيه بمنظر السماء التي كانت مثقلة بالغيوم في جوٍ خريفي رائع .. في بيئة صحراوية يعد فيها عبور الغيوم حدثا استثنائيا ونادرا ما يجود به مناخنا الجاف  ..

رأيت في جانب السماء الغربي شيئًا أشبه بسحابة فضية مضيئة .. شخصت ببصري إليها .. تأملتها وتعمقت في تفحصها، وبعد لحظات من الإمعان والتفكير الصامت ناديت بالفتيات اللاتي توزعن في أطراف الباحة .. أخبرتهن بلهفة وقلب يرقص خوفا بأنه ربما سيكون هذا هو يوم القيامة الذي تعلمنا فيه أن الشمس ستطلع من الغرب وهي الآن حسب قولي طلعت واختبأت خلف  إحدى الغيمات التي أشرت بإصبعي إليها معللة سبب إضاءتها المميزة. لا أعلم كيف قررت فجأة أن أعلن هذا الاستنتاج الساذج بهذه التلقائية .. والغريب أنه لاقى قبولا واسعا بين الطالبات وبقينا ننظر وننتظر حدوث شيء مفزع كأن تتشقق السماء أو تتساقط النجمات على الأرض بخيال فتياتٍ صغيرات ينتظرن أن تستجيب الطبيعة مع ما يتعلمنه سريعا .. وبتفكير سطحي لا يتجاوز حدود الملاحظة..!

بقينا في هلع نقدم تفسيرات عميقة ونتبادل ترديد أهوال يوم القيامة التي تعلمناها .. وكأنما فرصة لفرد عضلات الذاكرة في وقت ثمين لا يجدر تضييعه بغير مناقشة هذه الأمور.. لحظات وقُرع الجرس إعلانا ببدء الاختبار وبدأنا نتجمع مع الفصول ننتظر على مقاعدنا أوراق الاختبار أو شيئا ما سيحصل ويشبه مخاوفنا .. ظننت لوهلة أنه لن يكون هناك اختبار بناءً على تلك الاستنتاجات السطحية التي اجتمعت بها مع رفيقات المدرسة .. بادرت بسؤال المعلمة وإخبارها عن ملاحظتنا عن السحابة الفضية الغريبة التي تزين الجانب الغربي من السماء .. وأخبرتها على خجل بأنه ربما حانت علامات الساعة الكبرى حينما لاحظت عدم مبالاتها مقابل القلق والخوف الذي يتضاعف داخلنا .. ضحكت معلمتي يومها وشعرت لوهلة أنه سيغمى عليها لاستغراقها في الضحك مما قلته. وأغرقتني بضحكها في نوبة خجل لم أستطع التخلص منها وانكمشت على نفسي منتظرة بدء حل الاختبار .. واستمرت تبتسم لي بين وقت وآخر حتى خرجت من الصف متخلصة من عبء الامتحان وملاحقة عيون أستاذتي الضاحكة .. رفعت رأسي للسماء ولم أرَ الغيمة الفضية .. وبانت شعاعات الشمس الخفيفة من خلف الغيوم في الجزء الشرقي من السماء وقد اقتربت من كبدها …

شعرت بالخيبة كثيرا ذلك النهار .. وبقيت أفكر في شيء ما يشبه اهتزاز ثقة صديقاتي بأحاديثي وقصصي .. كنت في الحادية عشر من عمري وكانت بداية اهتزاز المركز الأول الذي كنت قد استوليت عليه بلا منافس منذ أن كنت بالصف الأول بين مجموعة من الفتيات في مدرستنا الصغيرة .. في ذلك العام بدأ ظهور منافسة قوية في مسيرتي الدراسية واستمرت حتى إنهائي للمرحلة المسماة بالثانوية حينها .. وبدأت أجتهد أكثر وصحوت على نفسي أكثر .. حافظت حينها على مركزي 4 سنوات إضافية متتالية وبصعوبة كبيرة .. وكانت آخر عهدي بذلك المركز الذي ظننت أنه سليتصق باسمي طويلا ..

لم تعد هذه التفاصيل إلا شيئا من حلم .. وقصصا لاتحرض ذكرها إلا اجتماعات صديقات الطفولة بين عُمر وآخر .. وتفاصيل حكايا بريئة كتبتها أرواحنا بتلقائية مفرطة دون تصرف .. كبرت روحي كثيرا وشاخت أحلامها .. وأرهقها عبء السنين الفارغة التي سقطت من عمري .. تمر الأيام بطيئة أو سريعة .. لا أعلم .. لكني أدركت مع الأيام أن ألواني التي حافظت عليها منذ سنين انتهى وقت صلاحيتها دون أن أشعر .. وفقدت فعاليتها في لوحة ازدحمت بفراغات كبيرة لا تشبعها شخبطات أقلامنا …. مع كل هذا أجدني أحن بجنون لارتكاب حماقات كتلك التي قفزت في خيالي بإشارة من غيمة فضية ….

 
التعليقات على من صفحات قديمة .. “غيمة فضية” مغلقة

Posted by في 10 أوت 2012 بوصة Uncategorized

 

القوى العاملة الموقرة ..

قالت له: حضرة الأستاذ .. أنا لم أحصل حتى الآن إلا على فرصة ترشح واحدة لوظيفة في القطاع الخاص، ورغم أني لا أميل إلى الالتحاق للعمل في إحدى الشركات لكني الآن مستعدة لقبول أي عرض مناسب؛ فقد كبرت بما يكفي وأصبحت أُما لطفلين..! أرجو أن تساعدني… ختمت حديثها بهذا الرجاء وانتظرت رده .. نظر إليها متسائلا بعجب: حسنا .. ولمَ لم تقبلي بالعرض السابق بما أنكِ في حاجة ماسة للعمل؟؟؟ بادرته بنبرة مقهورة: “لقد كانت في مصنع طابوق!” .. “يا أستاذ ما الذي يمكن أن أعمله مع “هنود” في مصنع طابوق ” ؟؟؟

القوى العاملة الموقرة: هذا مجرد مشهد صغير جدا من مسلسل يوميات هيئة سجل القوى العاملة مع الباحثين عن عمل، وكما  أفادني بعض المسؤولين هناك بأن القضية لا تعدو كونها مشاهد درامية غير حقيقية نتأثر بها ولا ينبغي أن نصدقها.  أجابني بذلك حينما سألته من المسؤول هنا عن فك كربة هؤلاء المساكين الذين يأتون من أقاصي البلد يحملون آمالهم وأحلامهم إلى العاصمة؛ للبحث عن مصدر رزق .. هؤلاء الذين مايزال الرجاء يتجدد في صدورهم علّ القدر يجود بحياة أفضل ..

يحضرني الآن مشهد المرأة التي دخلت مكتب مدير أحد الأقسام بالهيئة وبيدها حقيبة ملابس.. رمتها بثقلها على طاولته وبدأت تخرج ملابسها وتلوّح بها في غضب وتتوعد بأنها ستقيم معهم في مبنى الهيئة إن لم تحصل على وظيفة مناسبة تسترزق منها حسب قولها .. ما الذي يدفع تلك المرأة لتمثيل موقف كهذا؟ وهل عليّ أن أصدق المسؤول بأن كل هذا الألم في عينيها مجرد دراما ؟؟ كنت هناك برفقة أمي . طلبت منها أن نعجل بالخروج من هذا المكان الحزين، وبقي المشهد بنقاء تفاصيله يتردد في ذاكرتي .. “ياللـ حاجة” ..!

عزيزتي الهيئة المسؤولة عن تشغيل القوى العاملة الوطنية، ما أجمل لو قدّرتم فعلا قيمة المعنى في “القوى العاملة الوطنية” إنه حق أن يحصل هؤلاء على فرصتهم في بناء بلدهم. أعطوهم فرصهم .. مكّنوهم.. اتركوهم يمارسون طاقاتهم لأجل أرضهم ولأجل أبنائهم  ..! إنه لمن شديد أسفي وعظيم حزني وأنا أكتب إليكم هذا الخطاب وببالغ الألم الذي يصيبني كلما زرتكم في مكانكم القصي هذا .. أن أجد المشاهد ذاتها تتكرر أمامي المشاهد وبذات ثقلها ووطئها، بلا جديد وبـلا تحسن وبلا مهنية في التعامل مع هؤلاء المراجعين الذين يفدون باستمرار إليكم رغم نوبات اليأس .. وفي كل مرة يأملون أن يخرجوا وهم يحملون آمالهم واقعا يلونون به حياتهم ويعفون عما سلف من سنوات انتظارهم .

هذه القوى غير العاملة بوضعها اليائس هي نفسها التي قررت ذات يوم أن توصل رأيها لقائد البلاد قبل عام من الآن. بعد الركود العظيم الذي لمسوه في تحرك قضيتهم وتراكم أعدادهم بمضي السنوات بلا حلول تبشر بتخطي أزمة تشغيل هذه القوى وهذه الموارد غير المستغلة. ورغم شجاعتهم ومبادرتهم في الوصول إلى السلطان وإيمانهم بأنه هو فقط صاحب الحل الذي سيخلصهم من روتين بطالتهم.. رغم يقينهم هذا جابهتهم القوات بالعصي دون تفريق بين رجل وامرأة .. لقد كان موقفا مخجلا للغاية أن تتم معاملة مواطنين بهذا الأسلوب المشين فقط لأنهم فكروا باللجوء إلى قائد البلاد وتخطي الحواجز التي عزلتهم عنه.

أعزائي العاملين بهيئة سجل القوى العاملة: منذ أتى المرسوم السلطاني نهاية العام الماضي لإنشاء الهيئة وأنتم ماضون بنشاط في تعزيز الإجراءات اللازمة لإيجاد قاعدة بيانات عن القوى العاملة الوطنية . وأريد أن أبلغكم بكل ما في قلبي من حب لهيئتكم الموقرة بأن الباحث لا يعنيه في الحقيقة تلك الإجراءات التي تنعتونها في خطاباتكم المتكررة بـ “اللازمة” تلك  التي تأخذ كل جهدكم لتوفير وإيجاد هذه القاعدة .. التي لم تخرج رغم كل ذلك الجهد بعدد دقيق للباحثين عن عمل حتى الآن ..!

كل يوم نمحّص الأخبار والتغطيات في الصحف المحلية لإيجاد بشرى تخلص الباحثين عن عمل من واقعهم الروتيني دون أن نجد ما يمكن أن نستبشر به. الأعداد تتراكم والوظائف الشاغرة تطلب فردا واحدا من بين مئات وربما آلاف من تقدموا لها.. هذا إذا اشتثنينا قضية التخصصات التي يهمشها سوق العمل ويقل عليها الطلب وتتراكم أعدادهم أكثر بمرّ الفصول الدراسية وبـ مرّ حفلات التخرج التي ليست سوى بوابة ملونة لأحد أكبر هموم المواطن  العماني. على الأقل في هذا الوقت..


لقد على صوتي هذه المرة في أحد مكاتب العاملين معكم بعد أن لمست حنقه علينا وأننا لسنا سوى مجموعة مزعجين لا ننفك “نطلب وظيفة”.. لست هنا لأرمي كل اللوم عليكم .. ويسعدني أن أبلغكم بأن الباحثين لا يفتأون يمارسون أنشطتهم ومشاركاتهم التطوعية وغير التطوعية في مختلف المؤسسات، ويستمرون بالتدريب وممارسة ما علق بأدمغتهم من سنوات طلب العلم والمعرفة.. إنني أقدر ثقل المسؤولية المرماة على عاتقكم، وأود أن أخبركم  بأن المهمة ستكون أعظم وأثقل إن لم تبادروا بوضع حلول سريعة وسريعة جدا لهذه الأزمة ..

تقبلوا أمنياتي الصادقة لكم بالنجاح في هذه المهمة الصعبة ،،

 

 
التعليقات على القوى العاملة الموقرة .. مغلقة

Posted by في 20 جويلية 2012 بوصة Uncategorized

 

” ليس حُبًا .. بل رقابة “

” ليس حُبًا .. بل رقابة “

 

“محظوظون أولئك الذين يستطيعون أن يعشقوا” .. في تاريخ ممتلئٍ بـ حُبٍ معدوم الوسيلة. تضيق بحمله صدورهم وتنطفئ ببؤسه شمعة كان من المؤمل أن يشعلها حضور الحب في بلاد أقفرت منه … إنها إيران الأرض الممتلئة بالدين والحب والسياسة .. وتفلت من قلمي كلمة رابعة تكاد تمتص بها شعب إيران بأكمله كما تمتص الإسفنجة الماء ..إنها “الرقابة” ..

تحكي صفحات الكتاب قصة حبيبين “سارة” وصديقها “دارا” وهما الشخصيتان الرئيستان في الرواية إلى جانب شخصية الرقيب “السيد بيتروفيتش”.. وتتركز الحبكة في صنع أجواء تنعش قلوب المحبيْن في ظل الظروف القمعية التي فرضتها الثورة الإسلامية على إيران. فلا المكتبات ولاالمقاهي والجامعات أو حتى الشوارع والحدائق العامة تستطيع أن توفق لقاءً سريعا بينهما؛ ورغم ذلك تدفعهم قوة الحب والرغبة في التمرد على هذا القبضة الحديدة إلى المخاطرة بأشياء كثيرة تمثل عنصر التشويق في الرواية. ويصفها الكاتب في قوله “إن الناس الذين يتعرضون لأوقات عصيبة هم أناس حاولوا عن جهل تغيير ماهو راسخ في هذا العالم” ملخصا مصير كل من قد تشك الحكومة الإسلامية في ولاءه، أو تشتم فيه رائحة التمرد على فروض الطاعة للدين والدولة ..!

إنها في شكلها الكلي تلخص قضية شعب يعاني فروض القمع والإرهاب، هذا هو الخط الذي رسمته رواية “قصة حب إيرانية تحت مقص الرقيب” للكاتب الإيراني شهريار مندني بور، الروائي الذي منعت أعماله من النشر في الفترة من عام 92/1997 في إيران.

وكما يختزل العنوان فكرة الرواية فهي تطرح قضية الرقابة في إيران الإسلامية في أحداث تستند في مجملها إلى انتقاد الثورة الإيرانية الإسلامية التي قامت في أوائل عام 1979 وأطاحت بحكم الشاه محمد رضا بهلوي. تلك التي استبدلت السافاك بالحرس الثوري و بعض الجماعات كـ حملة مكافحة الفساد الاجتماعي التي تشبه  إلى حد بعيد في فكرتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمملكة العربية السعودية وربما تصل لدرجة أكثر منها قمعية ..

ولكن الفارق يرتكز في اشتغال العقل الإيراني المبدع والخلاق الذي يستجيب بسرعة وبفطنة عندما يتعلق الأمر بافتناء أو ممارسة أشياء غير قانونية أو يمنع القانون الإيراني تداولها في تنفيذه لفكرة قمع الشعب تحت رداء تطبيق تعاليم الإسلام وردع أعداء الثورة .. ويذكر من تلك الطرق في الرواية: ابتكار طرق ذكية لإخفاء الصحون اللاقطة لكوجات الأقمار الاصطناعية .. وطرق أخرى للتغلب على تشويش الأجهزة الحكومية المختصة على بعض القنوات كتلك التي يبثها معارضون إيرانيون من الخارج ….

يسرد الكاتب أحداث الرواية مفسرا بأنه قد تصدر منه في وصف السياق ما قد يعترض عليه الرقيب بحكم أن تلك التفاصيل مثيرة وتخدش الحياء العام، مبررا أنها قد تشجع الشعب على التمرد على مبادئ الثورة الإسلامية، و قد تغري بعض الشباب والفتيات للانسلاخ من قيم الدولة الإيرانية الإسلامية. فهو يصور الفتاة مرتدية غطاء الرأس  أوالشادور الذي هو أمر إلزامي في إيران وتعاقب كل من تخالفه، وهو الرمز الديني والمذهبي وربما حتى السياسي الذي عرفت به نساء إيران. ويصف الشاب وهو يلبس قميصا ذا أكمام طويلة حيث يحرم عليهم لبس القميص ذي الأكمام القصيرة للأسباب الوارة أعلاه.

ويرمز الكاتب في لمقص الرقابة الإيراني في الرواية بالسيد بيتروفيتش الذي تمر عليه جميع الكتابات والمطبوعات قبل النشر، فيمرر منها “ما لا يخدش الحياء العام” حسب قوله ويشطب البقية، وإن كان العمل أو المادة الأدبية ملئية بتلك التفاصيل المحركة فأن مصير ذلك العمل هو الحبس في أدراج منسية ويوضع اسمها ضمن قائمة الممنوعات في إيران. والكاتب يعلل ويفسر ويضع نفسه أحيانا محل السيد بيتروفيتش الرقيب ليقيم ما يمكن كتابته حتى لا تخزن أوراقه وتحرم حقها من الظهور والنشر، ورغم إدراجة أ كتابته لبعض تلك الكلمات أو التفاصيل المحرمة فإنه يشطبها أو يضع عليها خطا ليوضح للقاريء أن السيد بيتروفيتش كان سيفعل ذلك بدلا منه وهو يقرأ هذه الرواية.

يستمر في السرد مشيرا  لطريقته وأسلوبه والصعوبة التي يواجهها في الكتابة زخلق الأحداث نتيجة للواقع القمعي الذي من المحتمل أن يتعرض له هذا العمل الأدبي، فيتحدث في ذلك أكثر من حديثه وسرده لأحداث الرواية نفسها، فحينما جعل طوارئ المستشفى مخبأ يلتقي فيه العاشقان بعيدا عن مكافحة الفساد متأملين ألا يتم اكتشاف أمرهما يقول: “أرجوكم حركوا عجلات مخيلتكم، تخيلوا أنكم أحد أعظم الكتاب في العالم، ثم تخيلوا كيف يمكنكم بالرغم من كل مهارتكم في الكتابة أن تحروا قصة الحب التي تكتبونها في هذا المكان المرعب”.. ويستمر بعدها في التأكيد  على الصعوبات والمخاطر التي تواجهه ليتمكن من المضي قدما في أحداث قصته..

هناك حديث متكرر عن تصفية وتطهير أبناء الشعب الإيراني الذين يناهضون الثورة التي أطاحت بالشاه ..  وتغلغل المخبرين الذين يحملون شكوكهم بمن يمكن أن يناهض الثورة .. يحملون شكوكهم حقائق إلى الشرطة لتتم تصفيتهم، ولذلك فأغلب الشعراء والكُتاب والمسرحيين وحاملو الشهادات وغيرهم ممن يشكلون الطبقة المثقفة في إيران انتهى بهم الحال في أحياء فقيرة لا يملكون قوت يومهم، وأفضلهم حالا قد يصبح بائعا متجولا يبيع ما اقتناه من كتب ومخطوطات ليتمكن بثمنها أن يشتري يوما آخر من هذه الحياة.. كل هذا لأنهم استخدموا عقولهم وفكروا في مناهضة الثورة أو أبدوا في سطر مقتضب من كتاباتهم امتعاضهم من التغيير الذي أحدثته الثورة في بلادهم.

على هذه الشاكلة تستمر الرواية مع تذمر مستمر من الكاتب للأوقات العصيبة التي يمر بها فكريا وهو يخلق تفصيلا للأحداث التي يجب أن تتوفر في هذه البيئة ليتمكن من خلالها “سارة” و “دارا” من العيش بسلام وحب مع ما استطاعوا أن يحتفظوا به من مبادئ دون أن تفتك بهم حملات مكافحة الفساد الاجتماعي في البلد ..

 
التعليقات على ” ليس حُبًا .. بل رقابة “ مغلقة

Posted by في 20 جويلية 2012 بوصة Uncategorized