لا يبدو لي أنك قرأت مسرحية “الوزير العاشق” لابن بلدك الشاعر فاروق جويدة .. حين يصرخ على لسان ابن زيدون في وجه الملك: “أريـد حكاما يصونون البلد” !! .. لو كنت قرأتها لربما أثرت فيك كلمات ولّادة وهي تقول: “إن كنت تحلم بالحياة .. وبالرخاء .. فلديك هذا الشعب .. حاول أن تعيد له الحياة” ..
سيادة الريّس: تجاهلت مظالمهم .. أغمضت طرفك عن جوعهم وتهالك مساكنهم .. أهملت وأفسدت .. فخرج الـغلابا يهتفون: “يسقط يسقط حسني مبارك” .. خرجت أرواح عدد منهم .. ولكنك سقطت !
سيادتك .. في اللحظات التي نطق فيها عليك بالسجن المؤبد .. وأنت تتخيل كيف ستقضي أيامك البطيئة المقبلة بين جدران مهترئة تخرج منها رائحة الغبار .. وأنت تضع نظارات سوداء على عينيك تخفي بها الحزن الساكن هناك .. والضعف والحسرة التي أرهقتهما طويـلاً … والأشهر الطويلة المؤلمة التي محت فرح الثلاثين عاما المنصرم ..
خلال هذه اللحظات سيادة الريس .. هل أدركت كم هو مؤلم “الإحساس بالضعف” ؟ وكم هو خانق أن يراك العالم أجمع بكل هذه الخيبة ؟ ..
هل أدركت الآن مقصد معمر القذافي حين قال بلهجته الباردة وكأنه يسخر منكم بتساؤلاته تلك: “أبو عمار قعد في الأسر كم عام واحنا نتفرج عليه ونعقد القمة بدون أبو عمار ..ليش ما قلنا القمة ما تنعقدش لغاية ما يطلع بو عمار من الأسر ؟؟ ليش ما نحقق في مقتل بو عمار؟ وليش ما نحقق في شنق صدام حسين؟ … ” ..
محمد حسني السيد مبارك .. في الوقت الذي كان يصرخ القذافي بهذه الكلمات ويضرب بيده على طرف الطاولة التي يضع عليها أوراقا لا يقرؤها .. كنت أنت تضحك وتهز كتفيك من شدة الضحك.. ساخرا أومتعجبا من حماقة هذا المعتوه .. كنت تظن أنه “مستر بن” القمم العربية .. وليس في حديثه قيمة تدرك … سوى فرفشة الرؤساء والزعماء والقادة والملوك و… ، الذين لم يخلصوا لشيء كما يخلصون لأرصدتهم وحساباتهم البنكية.. !
أيا كانت نظرتك تجاه هذا الرجل .. وأيا كان رأيك فيه ..فقد قُتل القذافي مستضعفًا .. ونال استعطاف الكثير .. عاش بقضية، وقتل وماتزال برأسه نفس القضية .. فماذا كسبت أنت ؟
سيادة الريّس..
وأنت في أشد لحظات حياتك ضعفا وبؤسا وحسرة .. هل شعرت الآن بشجاعة صدام حسين وهو واقف يستعد لتُخرج روحه رغما عنها ووجهه الصارم بذات الملامح والتفاصيل؟ هل تعجبت الآن كيف استطاع أن يحافظ هذا الرجل على رباطة جأشه ؟؟ .. هل عرفت من أين جاء بتلك الشجاعة التي خلقت منه بطلا قوميا في لحظات لا يملك فيها أي شجاع أن يحافظ على صورته الشجاعة تلك أمام الناس ؟
حسنا .. كيف هي مشاعرك الآن والشعب خلف جدران المحكمة يرفع صورا لحبل المشنقة ويصرخ عاليا مطالبا بإعدامك؟ هل شعرت بعقوبة الله لك بينما ملايين في الخارج ترجو مشاهدة رأسك يتدلى في حبل المشنقة أو مفصولا تحت حد المقصلة ؟ إنه شعور مخزٍ للغاية أن تمر بكل هذه النكسات وأن تخسر سنوات من عمرك ظننت أنك ستقضيها في أحد قصورك التي دللتها طوال عمرك المنصرم في شرم الشيخ .. ستنهار أعصابك حتما وأنت تفكر مالذي ستفعله بين القضبان والجدران المهترئة .. بالمناسبة : هل تجيد فن النحت أو الرسم ؟ ربما ستحتاجه لتزين تلك الجدران بأشكال التحف والسلع التي ضللت تجمعها فيما مضى من عمرك الملون …
….
الحمدلله أنه لم يحكم عليك بالإعدام .. في الحقيقة لا أحب أن تطبق عقوبة الإعدام على أحد أيا كان جنح المجرم .. لكن ليس لهذا السبب لا أريدك أن تعدم .. بل حسدا حتى لا تتعاطف معك قلوب الناس وحتى لا أشعر أنا بعد حين بالشفقة عليك وأندم على موقفي تجاهك .. إنسانيا فقط … ربما يجب أن تعيش بضع سنوات مقبلة لتشعر ببؤس الغلابا الذين أقصيتهم وغربتهم في وطنهم .. هل شعرت بهم الآن ؟؟
لم أكلف على نفسي بكتابتي البطيئة هذه لأشمت بك .. لكن لتلك اللحظات اللي أهابتني جدا في جو المحكمة ولحسرتي على عمر مصر تلك التي تغنى بها الشعراء. كعبة الأوطان التي أضعتها واستنزفت هيبتها لمصلحة أهوائك الشخصية وهيبتك الملكية التي هي أغلى ما يمكن أن يملكها أي قائد عربي .. لمصر في داخلي حب كبير .. ولقوة الشعب المصري أصداء بعيدة تشعرني بقشعريرة في أعماقي .. كان عليك أن تعطي أهمية كبيرة لهذه الطاقة التي كبرت تحت تربيتك بانفعال شديد .. وانفجرت بفضل قمعيتك لتهز أركان عرشك وتسقطك .. هوى قبلك قادة ورؤساء وجبابرة .. لكنك وحدك الذي سقطت على سرير منهار الأعصاب .. هل شعرت الأن بعد كل ذاك الترف بالذل الذي أسخيت به على شعب مصر العظيم ؟؟