RSS

Tag Archives: رحمة

لنعش كما أراد لنا الله .. أن نكون “نحن”!

خلال تجوالي بالسوق الحرة بمطار دبي، لفتتني كتب كثيرة كانت معروضة باللغة الإنجليزية – التي لم لا أتقنها كثيرا- .. قاومت رغبتي بالقراءة مخاوف فهم المحتوى الموفر باللغة الإنجليزية، ووجدتني أدفع 135 درهما مقابل كتابين اثنين، أولهما مقالات مجلة أوبرا عن السعادة الحقيقية (O’s little book of Happiness)، والآخر عن قصة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون (Hard Choices).

كنت أقرأ عبارة تصدرت أول الكتابين للمذيعة الشهيرة أوبرا وينفري:

You can never be happy living someone else’s dream. Live your own and will for sure know the meaning of happiness”

وحين خرجت؛ وجدتني أتساءل وأنا أنظر إلى الناس المتزاحمين على مقاعد المقاهي والاستراحات، وعلى ممرات المطار وسلالمه، والممدين على أرضيات قاعات انتظار الرحلات.. وجدتني أنظر إليهم، أرى التذمر والملل، ووجدتني أتساءل؛كم ياترى من هولاء بات راضيا عن حياته، عما قدمه.. كم منهم يعيش شخصيته الحقيقية، وكم منهم يدعي ويتقمص صفات شخصية أحبها، أو قلد مزايا شيء كان يود أن يكونه ..

وراجعت في نفسي ماذا كنته قبل عام من الآن، حين كنت أعمل لحساب الجميع، وكنت أعطي وقتي بسخاء للجميع، وحين كنت أهرب من نفسي وأتركها بعيدة عن الجميع، وحتى عني أيضا .. لقد علمت قبل عام من الآن أن شخصيتي السابقة ما كانت لي أبدا، إنما صنعتها بنفسي وفصلت مزاياها على المقاس الذي أحب، حاولت أن استمتع بها وقتا من الزمن، لكنها لم تكن لتستمر حتى لو تجاهلتُ هذا فترة من الوقت..

وقد علمت السبب ..

كان مستوى تأثري بمن حولي كبيرا .. كنت أود أن أصنع ثقافة مثلهم، أن أكون بمستوى اطلاعهم ووعيهم ومتابعتهم للأمور، للمجريات التي التي تحدث على الصعيدين المحلي والدولي، كنت أشعر بالنقص، ولم أكن لأشعر أني كنت أتأثر بهم، أو أميل لتوجهاتهم حين كنت ألغي نفسي وأصبح نسخة مشابهة لأصدقائي..

كان عليّ أن أبتعد عنهم، أن أعيش بمفردي لفترة، حتى أوقن بداخلي ماذا أريد أن أكون، دون أن أقع تحت تأثير إعجاب أو كره أو محبة أو تقليد لصفات وأفكار واتجاهات من هم حولي، ومن كنت طيلة الوقت مندمجة معهم، وأعمل طيلة الوقت لأجلهم..

لقد تبين لي من أنا حقا، حين أصبحت مستقلة بعض الشيء عمن حولي، بمن فيهم أهلي وأحب الناس إلي، وجدتني أكثر قوة حين علمت أن لي شخصية رائعة، وحين اكتشفت السطوة التي أعيش بها مع نفسي، لقد علمت يقينا أنني فقدت سنينا طويلة كان ينبغي علي أن أعيشها بما متعني به الله من صفات واستقلال.

لكني في الآن نفسه؛ وجدت من الرائع التعرف على ثقافات وتوجهات وشخصيات من هم حولي، ممن أحبهم، وممن تصيبني سلوكياتهم بالغضب والامتعاض حينا .

لقد آن الأوان كي أعيش أنا كما أراد لي الله أن أكون .. نعم .. كم كان بداخلي أسرار كنت بعيدة عنها ..!

أحببت شخصيتي القوية، قدرتي الهائلة على الصبر، والاستماع بعناية لمن هم حولي، إدراكي للأشياء، غرابة أطواري، بساطتي في اتخاذ قراراتي، ارتجالي الشجاع حين أواجه موقفا لمن أكن لأتوقعه.. بلادتي الصامتة، وبساطتي التي أبدو عليها حين تصدر مني مواقف محرجة لم أفتأ أكررها مدعية عبرها بالذكاء والنجابة..

في جلساتي الخاصة مع نفسي .. كنت أخبرني عما أصادفه في حياتي من مواقف.. وجدتني أخصص وقتا كافيا أصف فيه الشخصيات من حولي، أصفها وأعيد رسمها لنفسي، تماما كما أراها أنا، وكما اكتشفتها أنا ..

وجدت أن لدي قدرة هائلة على وصف الأشخاص والأشياء، وجدت أن لدي طاقة هائلة للتعبير؛ وعلمت أن التكلم بها شفهيا ليس مما أجيده أو قد أنجح به .. ولذا وجدتني أكتب ..

مطار دبي الدولي

الجمعة 18 سبتمبر2015
الساعة 11 صباحا بانتظار رحلة العودة إلى مسقط

 
التعليقات على لنعش كما أراد لنا الله .. أن نكون “نحن”! مغلقة

Posted by في 18 سبتمبر 2015 بوصة Uncategorized

 

الأوسمة:

من يخيط حذاء “زَهـرة”؟

316942_286295258069946_1267531578_n

وضعت على الطاولة الممتدة أمامها رزمة من الأوراق، باهتةً ألوانها من كثرة تكرار نسخها، مَثنيّةً زواياها على بعضها وكأن الزمن الذي مرّ عليها أثقلها، واشتدت بها السنون لتنطوي كما تنطوي ورقة شجر أرهقها الجفاف. وعلى صدر تلك الأوراق المُنهكة، وضعت سيرتها الذاتية حيث طبعت تحت اسمها وبياناتها الشخصية كلمات “باحثة عن عمل”.

كانت تلك الطاولة العريضة والممتدة لقرابة ثلاثة أمتار ونصف تأخذ مساحة من تلك الغرفة الفارهة التي دخلتها زهرة على هؤلاء الرجال الذين يتصنعون الهيبة. في الجانب الآخر من الغرفة كان ينبسط مكتب بسطح لامع شديد النظافة. بعضٌ من أوراق مركونة في سلة من معدن برّاق يشبه الفضّة. خلفها ترتفع قامة كرسيّ المكتب بغطاءِ من جلد أسود. وتحته وسائد قطنية سوداء منقوشة بـ زري ذهبي برّاق..

استطاعت أن تجلب على ذلك المقعد الجلدي الفاخر الذي أجلسوها عليه بعباءتها المنسدلة  وجسدها الناحل، أكثر الحوادث عمقًا وتأثيرًا، من تلك التي نقشت في جوفها أثرًا أليما خلال الأعوام الخمسة الأخيرة التي ضاعت من عمرها بحسرةٍ وعزاءٍ عظيميْن، وهي تضع على الطاولة الممتدة أمامها رزمة من الأوراق، باهتةً ألوانها من كثرة تكرار نسخها، مَثنيّةً زواياها على بعضها وكأن الزمن الذي مرّ عليها أثقلها، واشتدت بها السنون لتنطوي كما تنطوي ورقة شجر أرهقها الجفاف. وعلى صدر تلك الأوراق المُرهقة وضعت سيرتها الذاتية حيث طبعت تحت اسمها وبياناتها الشخصية كلمات “باحثة عن عمل”.

لم تكن تفكر في خذلان والدتها الصبورة التي أثقلتها منذ ولوج الفجر الأول بدعواتها لها بالفرج، وختام خيباتها المستمرة باليوم الموعود الذي امتد انتظاره أكثر مما يمكن أن يحتمل.. كانت تفكر إلى جانب ذلك في خذلان هذا العمر الذي بدأت مبكرا في توظيبه…

كانت تشعر برعب لا مثيل له. هل يمكن أن تكون السنوات القادمة من عمرها في هذا المكان؟ هل ستكون مقنعة لهولاء الرجال الثمانية الذي يجلسون بهيبة قبالتها على تلك الطاولة الخشبية اللامعة والموشاة بنقوشٍ وخطوط كالذهب؟ ماذا عن هيئتها؟ ترتيبها وهندامها؟ هل يفترض أن تكون جذابة حتى تحظى بتلك الفرصة؟ ثم لماذا؟ ألا ينبغي أن يرضوْا بفكرها؟ بحيويتها؟ بحبها للعمل؟ قدرتها على الإبداع؟ ابتكار مشاريع جديدة يستطيعون أن يخدموا بها المواطن بطريقةٍ أفضل؟؟ …

بدأ الرجل على الجانب الأيمن لتلك الطاولة بالحديث، بوجهه العريض وبملامحه الناعمة التي تتصنع الجديّة. رطن بجملة إنجليزية يفيدها أن المقابلة ستكون باللغة الإنجليزية. كانت هي تشبك أصابعها ببعضها بقوة تحت الطاولة. لم تكن تريد أن تخسر هذه الفرصة الوظيفية بسبب عدم تمكنها من اللغة الإنجليزية بالمستوى المطلوب.. فكرت .. كيف يمكن أن تُولِج نفسها في هذا القالب الذي يريدونها أن تكون بقياساته؟

هل هؤلاء الرجال الذين تركوا أعمالهم وحضروا مقابلتها سيقدّرون رغبتها إن هي أبدتها في الحديث بالعربية؟ ثم لماذا يطلب منها الدخول في مقابلة بلغةٍ ليست هي الرسمية في البلاد؟ خاصة وأنها مؤسسة حكومية وينبغي أن تكون أكثر من يبرز هوية هذا الوطن؟ “نعم .. هذا ما يجب أن يحدث” … ألا يجدر بهم أن يكونوا أكثر المسؤولين محافظة على اللغة العربية الفصحى بدلا من استبدالها بلغة أعدائنا وسالبي ثروات بلادنا؟ فكرت بذلك لأن مستوى مهاراتها في التحدث والاستماع بتلك اللغة كان يرعبها. كان الخوف يأكل قلبها من أن تخسر تلك الفرصة اليتيمة التي حظيت بها خلال كل هذه السنوات بسبب لغة من كانت تسميهم “أعداءنا”. كان مستوى لغتها الإنجليزية يثير غضبها وسخريتها ..

نظرت إليهم والريبة والقلق يعجنان روحها، والرغبة في التعبير عن اختلافها معهم تزيدها إرباكًا..  ووجدت نفسها تسألهم باللغة نفسها التي اختاروها :
–     “Is anybody here can’t understand Arabic?” ..

كان سؤالها  جريئا وحادًّا .. شاهدتهم وهم يتبادلون نظرات باردة لبعضهم، وكأنهم يشعرون بشيء يشبه إهانة مباغتة. استدرك سؤالها اثنان من أولئك الرجال الذين صُفّوا كالأصنام على تلك الطاولة الفارهة، وهمهموا بصوت خفيض “لا”.. “لا” ..!
وجدتها هي فرصة فاستكملت مباغتتها لهم : “إذن لا داعي لتجاهل لغة لا يوجد بيننا من لا يفهمنا”..

لوهلة .. شعرت بأن أولى سهامها أصابت مرماها باحترافية وإتقان واضحيْن. قالت في نفسها “نعم هكذا يجب أن تكون المقابلات الوظيفية”. كساحة حرب.. أشد ما تكون فيها الهجمات حذرةً ومدروسة. وإلا فإنها قد تدفع ثمن خسارتها غاليا.
–    … وهل هناك خسارة أكثر من تلك الأعوام الخمسة التي بقيت فيها بلا عمل! من يعوضني إياها؟؟ كم هو الوقت الذي أضعتموه من عمري في مكاتب كهذه؟ بين مقابلات واختبارات ومغازلات ! لا شك أن بين هؤلاء الرجال حليقي اللحى، فاسدٌ  ينظر إليها كأنثى محتاجة لهذا الشاغر الوظيفي، وينبغي استغلالها. تبًا لكم!

زادها هذا الحديث الداخلي قوة وتصميما. استكثرت عليهم تلك الإرتباكة التي أزعجتها مذ هاتفتها سكرتيرة المكتب لتحديد المقابلة. تألّقت عيناها بنظرة واثقة، وانطلقت تتحدث : “اسمي زهرة سعيد .. حاصلة على بكالوريوس صحافة وإعلام من جامعة السلطان قابوس بتقدير امتياز، عملت في عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة بعقود مؤقتة…… وأحيانا بدون عقود .. معظم عملي كان تطوعيا إلا من شهادات تقدير هاهي أمامي ويمكنكم الإطلاع عليها …

قبل أن تنهي جملتها، نطق أحد الأصنام المرصوفة على الطاولة بجملة رتيبة كتلك الآلة التي تخرج لك فجأة بعد صمت طويل علبة مشروب غازي “مخضوض” .. قال سائلا: “لماذا تودين الإلتحاق بمؤسستنا بالذات” ؟

كان ذلك أسخف الأسئلة التي واجهتها في المقابلات التي أجرتها على الإطلاق. ماذا عساها أن تكون الإجابة التي ينتظرها هذا العجوز التعيس؟ ماهي الإجابة التي ترضي غرورك؟ قاومت رغبتها في الصراخ عليه بسؤال تجيبه به على سؤاله: “لماذا برأيك؟؟ ها ؟ هل لأن الفرص متاحة ومتنوعة وعليّ أن أختار منها؟؟ أم أن هذه المؤسسة ملك أبيك؟؟ هل هذا سؤال توجهه إلى باحثة ظلت على الوضع ذاته خمسة أعوام!” ..

بعد نحو ساعة ونصف من الأسئلة الجوفاء، والحديث بين مدراء الشركة ورئيسها، وزهرة المسكينة.. خرجت تجر خلفها الخيبة ذاتها التي اعتادت أن ترافقها بعد كل مقابلة وظيفية خلال السنوات الخمس الماضبة.. وبيدها رزمة الأوراق التي دخلت بها دون أن تنقص واحدة منها .. ابتسمت لها السكرتيرة حين خروجها، لكنها لشدة الكىبة التي خرجت بها، لم تستطع المجاملة بمط شفتيها ولو بطريقة باردة. أسقطت نظرتها لأمام حذائها البني الذي أعيدت خياطته غير مرة، بدت لها خيوطه منهكة.. تساءلت هل سيصمد هذا الحذاء حتى حصولها على فرصة لمقابلة أخرى قادمة .. بعد اعم أو عامين؟ فكرت بذلك وهي تقبل رأس والدتها التي تنتظرها في الخارج بأمل مكسور.. وأكملت طريقها خارجة من ذلك المبنى النتن.

كانت ذلك نهار الثالث والعشرين من سبتمبر،  حيث يستعد زملاؤها ممن استطاعوا أن يلتحقوا بوظيفة، للراتب الشهري والزيادة السنوية التي ترافقها، منهم من أصبح والدًا ووالدة.. ومنهم من ينتظر..

 
التعليقات على من يخيط حذاء “زَهـرة”؟ مغلقة

Posted by في 28 ماي 2014 بوصة Uncategorized

 

الأوسمة: , , ,